كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 1)

إذن فأنت تبدأ بالطفولة محتاجا إلى غيرك. . وتنتهي بالشيخوخة محتاجا إلى غيرك. . وحتى عندما تكون في شبابك قد يصيبك مرض يقعدك عن الحركة. . فاذا كانت لك ذات حقيقية فأدفع هذا المرض عنك وقل لن امرض. . انك لا تستطيع. .
والله سبحانه وتعالى اوجد هذه المتغيرات حتى ينتهي الغرور من الانسان نفسه. . ويعرف انه قوي قادر بما اخضع الله له من قوانين الكون. . لنعلم اننا جميعا محتاجون الى القادر، وهو الله سبحانه وتعالى، وان الله غني بذاته عن كل خلقه. . يغير ولا يتغير. . يميت وهو دائم الوجود. . يجعل من بعد قوة ضعفا وهو القوي دائما. . ما عند الناس ينفد وما عنده تبارك وتعالى لا ينفد أبداً. . هو الله في السماوات والأرض.
اذن فليست لك ذاتية حتى تدعي انك اخضعت الكون بقدراتك. . لانه ليس لك قدرة ان تبقى على حال واحد وتجعله لا يتبدل ولا يتغير. . فكيف تكفر بالله تبارك وتعالى وتستر وجوده. . كل ما في الكون وما في نفسك شاهد ودليل على وجود الحق سبحانه وتعالى. .
قلنا ان الكافرين صنفان. . صنف كفر بالله وعندما جاء الهدى حكم عقله وعرف الحق فآمن. . والصنف الآخر مستفيد من الكفر. . ولذلك فهو متشبث به مهما جاءه من الايمان والادلة الايمانية فإنه يعاند ويكفر. . لانه يريد ان يحتفظ بسلطاته الدنيوية ونفوذه القائم على الظلم والطغيان. . ولا يقبل ان يُجَرَّدَ منهما ولو بالحق. . هذا الصنف هو الذي قال عنه الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}
إنهم لم يكفروا لأن بلاغا عن الله سبحانه وتعالى لم يصلهم. . ولم يكفروا لأنهم في حاجة الى ان يلفتهم رسول او نبي الى منهج الله. . هؤلاء اتخذوا الكفر صناعة ومنهج حياة. . فهم مستفيدون من الكفر لأنه جعلهم سادة ولانهم متميزون عن غيرهم بالباطل. . ولانهم لو جاء الايمان الذي يساوي بين الناس جميعا ويرفض الظلم، لأصبحوا أشخاصا عاديين غير مميزين في أي شيء. .

الصفحة 140