لقد فطنوا إلى أنفسهم، وتغير الترتيب الإيماني في أعماقهم، ونلمس ذلك في أن بعضا من الناس جاءوا يصدونهم ويخذلونهم، فلم يستطيعوا بل زادهم هذا القول إيمانا {وَقَالُواْ حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الوكيل} ، لقد فطنوا إلى أن قوة الله هي التي تنصرهم والله حسبهم وكافيهم عن أي عدد من الأعداد وهو نعم الوكيل، ومعنى «الوكيل» أنني عندما أعجز عن أمر أُوَكِّلُ أحدا فهو وكيل عني، وعندما نوكل الله فيما عجزنا عنه فهو نعم الوكيل، لماذا؟ وتأتينا الإجابة: {فانقلبوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ الله} ، ولقد نصروا بالرعب الذي أنزله الله في قلوب أعدائهم ولم يشتبكوا مع الكفار، فصدق قول الله: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب} [الأنفال: 12]
ويأتي الحق من بعد ذلك بما يصدق القضية: {فانقلبوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ الله وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سواء واتبعوا ... }
وهذه القضية يجب أن يستشعرها كل مؤمن يتعرض لتمحيص الحق له، وعلى كل مسلم أن يتذكر تلك التجربة، تجربة أحُد، فليلة واحدة كانت هي الفارق بين يوم معركة أحُد ويوم الخروج لملاحقة الكفار في حمراء الأسد، ليلة واحدة كانت في حضانة الله وفي ذكر لتجربة التمحيص التي مر بها المؤمنون إنها قد فعلت العجب؛ لأنهم حينما طاردوا الكفار، لم يأبهوا لمحاولات الحرب النفسية التي شنها عليهم الأعداء، بل زادهم ذلك إيمانا وقالوا: {حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الوكيل} .