كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 3)

أو قرة عين؟ إنها «لام العاقبة» التي تتضح في قوله: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} . فالإنسان يكون في مُراده شيء، ولكن القدرة الأعلى من الإنسان - وهو الله - تريد شيئاً آخر.
الإنسان في تخطيطه أن يقوم بالعملية لكذا، ولكن القوة الأعلى من الإنسان تريد العملية لهدفٍ آخر، وهي التي أوحت للإنسان أن يقوم بهذه العملية. ويتجلّى ذلك بوضوح في العلة لالتقاط آل فرعون لموسى. كان فرعون يريده قٌرّة عين له، ولكن الله أراده أن يكون عدوّاً لفرعون. وفي هذا المثال توضيح شامل للفرق بين «لام العاقبة» و «لام الإرادة والتعليل» وعندما نرى أحداثاًَ مثل هذه الأحداث فلا نقول: «هذا مراد الله» ولكن فلنقل: (العاقبة فيما فعلوا وأحدثوا خلاف ما خططوا) .
وبعد ذلك يقول الحق: {إِنَّ الذين اشتروا الكفر بالإيمان ... .}
إنهم لن يضروا الرسول وصحابته لأنهم في معيّة الله وهم لن يضروا الله، وفي ذلك طمأنة للمُؤمنين، كأن الحق سبحانه وتعالى يقول: أيها المؤمنون بي المصدّقون بمحمد إن المعركة مع الكفر ليست معركة المؤمنين مع الكافرين، ولكنها معركة ربكم مع هؤلاء الكافرين وفي هذا اطمئنان كبير.
{إِنَّ الذين اشتروا الكفر بالإيمان} ، و «الاشتراء» صفقة، والصفقة تقتضي «ثمناً» و «مُثمناً» . و «الثمن» هنا هو الإيمان، لأن الباء تدخل على المتروك، و «المثمَن» هو الكفر لأنه هو المأخوذ. فهل أخذوا الكفر ودفعوا الإيمان ثمناً له؟

الصفحة 1889