كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 4)

{فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى الله وكفى بالله وَكِيلاً} لماذا؟ لأن الذين يؤمنون بك محدودو القدرة، ومحدودو الحيلة، ومحدودو العدة، ولكن الذي أرسلك يستطيع أن يجعل من عدد خصومك ومن عُدَّة خصومك جنوداً لك، وينصرك من حيث لا تحتسب. ولذلك فالحق سبحانه وتعالى بدأ قضية الإسلام وكان المؤمنون بها قلة، فلو جعلهم كثرة لقالوا: كثرة لو اجتمعت على ظلم لنجحت، ولكن عندما تكون قلة وتنجح، فهذا فأل طيب ويشير على أنك لست منصوراً بهؤلاء وإنما أنت منصور بمدد الله.
ويقول الحق بعد ذلك: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن وَلَوْ كَانَ ... .} .
وإذا سمعت كلمة «أفلا» فأعلم أن الأسلوب يقرّع من لا يستعمل المادة التي بعده. {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن} أي كان الواجب عليهم أن يتدبروا القرآن، فهناك شيء اسمه «التدبر» ، وشيء اسمه «التفكر» ، ثالث اسمه «التذكر» ، ورابع اسمه «العلم» ، وخامس اسمه «التعقل» ، ووردت كل هذه الأساليب في القرآن، «أفلا يعلمون» ، «أفلا يعقلون» ، «أفلا يتذكرون» ، «أفلا تتكفرون» . هي إذن تدبر، تفكر، تذكر، وتعقل، وعلم.
وحين يأتي مخاطبك ليطلب منك أن تستحضر كلمة «تدبر» ؛ فمعنى هذا أنه واثق من أنك لو أعملت عقلك إعمالاً قوياً لوصلت إلى الحقيقة المطلوبة، لكن الذي يريد أن يغشك لا ينبه فيك وسائل التفتيش، مثل التاجر الذي تدخل عنده لتشتري قماشاً، فيعرض قماشه، ويريد أن يثبت لك أنه قماش طبيعي وقوي وليس صناعياً، فيبله لك ويحاول أن يمزقه فلا يتمزق، إنه ينبه فيك الحواس الناقدة، فإذا نبه فيك الحواس الناقدة فمعنى ذلك: أنه واثق من أن إعمال الحواس الناقدة في

الصفحة 2468