كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 5)

نجد الكفرة أنفسهم يخترعون طريقة لكتابة القرآن في صفحة واحدة.
إذن فالله يُسخر لحفظ القرآن حتى من لم يكن مسلماً. وتلك خواطر من الله. ونحن نرى كل يوم من يبتعدون بسلوكهم عن المنهج لكنهم يرصدون المال لحفظ القرآن. ونجد القرآن محققاً بألف وسيلة حفظ: الرجل يضع في سيارته مصحفاً، وفي حجرة نومه مصحفاً، وقد تكون المرأة سافرة وصدرها مكشوف ولكنها تعلق مصحفاً ذهبياً. وهذا يثبت لنا أن حفظ القرآن ليس أمراً تكليفياً. بل هو إرادة الله.
فلو كان الأمر تكليفياً لكان نسيان القرآن وارداً؛ لأن المسلمين ابتعدوا في بعض أمورهم عنه كمنهج، ويناسب ذلك أن ينفصلوا عنه حفظاً. ولكن الأمر صار بالعكس. فعلى الرغم من بُعد المسلمين عن المنهج، ولكن حفظ القرآن لا يقل أبداً، ومن العجيب أن الكثيرين من المسرفين على أنفسهم، إن سمع واحد منهم أنّ شيئاً يمس المصحف، يقيم الدنيا ويقعدها، فالمسألة ليست مسألته، ولكنها مسألة الحافظ جل شأنه. وإن حدث أي تحريف يسير في القرآن من أعداء الإسلام، نجد أمة الإسلام تقف وقفة رجل واحد.
ولقد أراد بعض المدلسين أن يدسوا على القرآن ما ليس فيه وجاءوا إلى آية في سورة الفتح وهي: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله والذين مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]
وقالوا: «محمد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ» وكأنهم يرغبون في زيادة التكريم لرسول الله، فلما عرف المسلمون ذلك قامت ضجة وأحرقوا تلك المصاحف. ومنع المسلمون التحريف مهما كان باب الدخول إليه.
{فَلاَ تَخْشَوُاْ الناس واخشون} والخشية: خوف متوَهَّم ممن تظن أنه قادر على الضر، ولا أحد غير الله قادر على النفع والضر؛ لذلك لا يصح أن يخاف الإنسانُ مِن سواه، أما أن تظن أن السلطان أو القريب منه قادر على الضر، فهذا أمر غير صحيح، وليخشَ كل إنسان الحق سبحانه وهو جل وعلا نصحنا أن تكون الخشية منه دون سواه.
وإن غيَّر أحد أحكام المنهج من أجل السلطان أو أقارب السلطان أو أصدقاء

الصفحة 3160