كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 5)

السلطان فذلك عين الفساد. والآفات والشرور تأتي من ذلك. بل قد لا يدري السلطان شيئاً عن ذلك، وقد يتدخل قريب للسلطان - دون علم السلطان - ليطلب من العلماء تغيير بعض من المنهج ولا يستسلم له إلا الضعاف منهم، وقد فطن سيدنا عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه إلى هذا الأمر فقال: إن الفساد قد لا يأتي من السلطان، ولكن من الذين حول السلطان.
والخشية هنا تكون من غير الله، ولذلك كان سيدنا عمر يجمع أقاربه والملتفين حوله ويقول لهم: لقد اعتزمت أن أصدر كذا وكذا فوالذي نفسي بيده من خالفني منكم إلى شيء من هذا جعلت نكالاً للمسلمين.
هذا هو أسلوب من أداء أن يخدم ويحكم ولا يحمل أوزاراً، ونرى صور الفساد غنما جاءت نتيجة مخالفة القاعدة الحكيمة: {فَلاَ تَخْشَوُاْ الناس واخشون} .
ويتابع الحق من بعد ذلك: {وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً} وثمن آيات الله مهما بولغ في تقييمها فلن يتجاوز نفعه هذه الدنيا؛ لأن الدنيا - كما قلنا سابقا - لا تقاس بعمرها الحقيقي أي إلى أن يُفني الله البشر، وإنما دنيا كل حيّ تقاس بعمره فيها.
فهب أن الحياة طالت لملايين السنين فما نفع الفرد المحدود العمر بهذه الملايين من السنين؟ إذن فدنيا كل إنسان هي مقدار عمره في الحياة. وعمر الفرد في الدنيا له حد محدود غير معروف لأحد غير الله، فلكل أجل كتاب. ولذلك تجد واحداً يعيش متوسط الأعمار وهو سبعون عاماً. ويختلف العمر من إنسان لآخر، وقد يموت آخر عند الستين وثالث يموت في الأربعين ورابع يموت في المائة، وخامس يموت وهو طفل رضيع.
إذن فدنيا الفرد قد تكون لحظة. ومادامت مسألة العمر لا يحكمها زمن ولا يحكمها سبب فهي - إذن - بإرادة الحق غيب.
وأقضية الموت في الوجود جعلها الله شائعة في كل زمن ولم يجعلها الحق بعد الميلاد. بمعنى أن يولد الإنسان ليموت من بعد ذلك، لا، فقد يموت الكائن

الصفحة 3161