كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 5)

إن «العالين» هم الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون ولا يدرون ولا يعلمون بأمر آدم، فقد سأل الحق إبليس: أانت مستكبر عن السجود أم أنت من العالين الذين لم يشملهم أمر السجود؟ وقلنا إن إبليس لم يكن من الملائكة، لأنه بنص القرآن: {إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجن فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50]
ولذلك لا يصح أن يكون «إبليس» محل خلاف أهو من الملائكة أم لا! فهو ليس من الملائكة. وفي القرآن نص صريح يثبت جنسية إبليس. وهو من الجن. وكان من المختارين، له أن يطيع أو أن يعصي. لأن الجن داخلون في قانون الاختيار. فإن ألزم الجنّي نفسه بمنهج الله إلزاماً يتساوى به مع الملائكة وجب عليه أن يقوم بذلك. ولكنه لم يفعل. وكان من الواجب أن يطيع إبليس الأمر. ومادام الحق هو الذي أمر بالسجود، فالأدنى وهو إبليس كان عليه أن يسجد؛ لأن المراتب محفوظة كما نعلم، فرئيس الجمهورية عندما يدخل على الوزراء فهم يطيعون أمره، وإن كان يجلس مع الوزراء بعض وكلاء الوزارات فهم يطيعون أوامره؛ ذلك أنهم يدخلون في الأمر من باب أولى. ولو كان إبليس أعلى من الملائكة لكان أولى له أن يستجيب لأمر الخالق الأعلى ولا يعصى ويتأبى، أما وإنّه كان أقل من الملائكة فكان لا بد من باب أولى - أن ينصاع لأمر الله. لكن إبليس علل أمر عدم السجود، فقال: {أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [الأعراف: 12]
وفي آية أخرى قال سبحانه: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً} [الإسراء: 61]
وحين يتأبّى كائن على الحكم، أيتأبّى على الحكم الأصم، أي على الحكم من حيث هو حكم دون النظر إلى الحاكم، أم على مَن حكم بالحكم وهو الأعلى سبحانه؟ . تأبى إبليس على من حكم بالحكم، ولذلك طرده الحق من الجنة وصار ملعوناً. لكن آدم عصى ربه وقرب من الشجرة التي نهاه الله عنها. ومن رحمة الله

الصفحة 3165