كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 5)

ومادام الحق هو الذي يحفظ المنهج فالقرآن مهيمن على كل الكتب؛ لأنه سبحانه وتعالى قد ضمن عدم التحريف فيه. إذن فالكتاب المهيمن هو القرآن، ومادام القرآن هو المهيمن فهو حقيقة ما يسمى بالكتاب.
ودليل العهد هو قول الحق: {وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الكتاب} أما قوله: {مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكتاب} فالمقصود به الزبور والتوراة والإنجيل وصحف إبراهيم وموسى، ثم جاء القرآن مهيمناً على كل هذه الكتب.
وساعة نجد وصفاً وصف به غير الله وسمى به الله نفسه فما الموقف؟ نعرف أن لله صفات بلغت في تخصصها به مقامها الأعلى بالله، مثل قولنا: «الله سميع» والإنسان يسمع، و «الله غني» ويقال: «فلان غني» ؛ فإذا سمي الحق باسم وجد في الخلق، فليس من المتصور أن يكون هذا صفة مشتركة بين العبد والرب، ولكننا نأخذ ذلك في ضوء: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} .
إن أي اسم من هذه الصفات على إطلاقه لا ينصرف إلا لله، فإن قلت: «الغني» على إطلاقه فهو اسم لله، وإن قلت: «الرحيم» على إطلاقه فهو اسم لله. فإذا أطلق اللفظ من أسماء الله على اطلاقه فهو لله، واسم «المهيمن» يطلق هنا على القرآن وهو اسم من أسماء الله. ومن معنى «مهيمن» أنه مسيطر.
ومن أمثلة الحياة أننا نرى صاحب مصنع يطلق يد مدير في شئون العمل، وهذا يعني أنه مؤمن ومسيطر وأمين، ولا بد أن متنبه، أي رقيب، وهو شهيد، إذن فالذين فسروا كلمة «مهيمن» على أنه مؤمن قول صحيح.
والذين فسروا كلمة: «مهيمن» على أنه «مؤتمن» قول صحيح. والذين فسروا كلمة: «مهيمن» بأنه «رقيب» قول صحيح. والذين فسروا كلمة: «مهيمن» بأنه «شهيد» قول صحيح. والذين فسروا كلمة: «مهيمن» بأنه قائم على كل أمر قول صحيح. وإذا رأيت الاختلافات في تفسير اسم واحد من أسمائه - سبحانه - فلتعلم أن الحق بصدق عليه كل ذلك، وباللازم لا يكون «رقيباً» إلا إذا كان «شهيداً» ، ولا يكون شهيداً إلا إذا كان قائماً على الأمر، ولا يكون كل ذلك إلا إذا كان مؤمناً ومؤتمنا.

الصفحة 3179