كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 5)

إذن ف «مهيمن» هو قيم وشاهد ورقيب. ومادام القرآن قد جاء مصدقاً لما بين يديه من الكتاب فعلى أي مجال يهيمن؟ نحن نعرف مدلول الكتاب بأنه نزل من عند الله، فإن بقي الكتاب الذي من عند الله كما هو فالقرآن مصدق لما به، أما إن لعبت في ذلك المنهج أهواء البشر فالقرآن مهيمن لأنه يصحح المنهج وينقيه من أهواء البشر. {فاحكم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ الله} . و «احكم» مأخوذة من مادة «حكم» ، و «الحَكَمة» هي قطعة الحديد التي توضع في فم الحصان ونربطها باللجام؛ حتى نتحكم في الحصان. والحكمة هي الأ تدع المحكوم يفلت من إرادة الحاكم.
وحين يقول الحق: {فاحكم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ الله} فهل يحدث ذلك أيضا مع غير المؤمنين؟ نعم. فإذا ما جاء إليك يا رسول الله أناس غير مؤمنين وطلبوا أن تحكم بينهم فاحكم بما أنزل الله. ولذلك قال الحق:
{فَإِن جَآءُوكَ فاحكم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42]
لكن لماذا جاءوا لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ برغم عدم إيمانهم به؟
جاءوا إلى الرسول ليحكم بينهم؛ لأنهم ألفوا أن يبيحوا ما حرم الله بشهوات الدنيا وأخذوا لأنفسهم سلطة زمنية، وماداموا قد أخذوا لأنفسهم سلطة زمنية أنستهم حكم الله. وأرادوا - على سبيل المثال - أن يخرجوا على حكم الرجم وتخفيفه، ولذلك ذهبوا إلى النبي، فإن حكم هو بالتخفيف أخذوا بالحكم المخفف، وإذا لم يحكم بالتخفيف فهم لن يأخذوا الحكم، هم ذهبوا إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بقصد التيسير وقالوا له: أنت تعلم أن لنا سلطاناً وأن لنا نفوذاً ونحن نريد أن تحكم لنا لأنك عندما تحكم لنا سنؤمن بك وبعد ذلك تأتي إليك باقي جماعتنا ليؤمنوا بك ويتبعوك.
لقد رفض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ذلك تطبيقاً لقول الحق: {فاحكم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ الله وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ} فإذا كان عندهم كتاب التوراة مصوناً من التحريف، فالرسول يشير عليهم بالحكم الموجود في التوراة، ولذلك عندما استدعى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أعلم علمائهم بالتوراة حاول بعضهم أن يضع يده على

الصفحة 3180