كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 5)

{إلى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً} والكل يرجع إلى الله سواء الملتزم أو المنحرف، وأمام الحق نرى القول الفصل: {فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} . ومادام هناك اختلاف فلا بد أن يوجد من أخذ جانب الخير ومن أخذ جانب الشر، ولو أن الله قال لنا: «ستأخذون الخير» وسكت عن الشر لكان ذلك كافياً، لكنه يعطينا الصورة الكاملة. ويتبع ذلك قول الحق: {وَأَنِ احكم ... }
وقد يقول قائل: إن الله سبحانه وتعالى قال من قبل: {وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الكتاب بالحق مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكتاب وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} [المائدة: 48]
وتكون الإجابة: أن الحق بيّن إن القرآن قد نزل مهيمناً، وعلى الرسول أن يباشر مهمة التنفيذ؛ لذلك يأتي هنا قوله: {وَأَنِ احكم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ الله} بلاغاً للرسول وإيضاحاً: أنا أنزلت إليك الكتاب مصدقاً لما بين يديه من الكتب السابقة ومهيمناً فاحكم، فإذا جاءك قوم بشيء مخالف لما نزل من القرآن، فاحكم بينهم بالقرآن. والذي زاد في هذه الآية هو قوله الحق: {واحذرهم أَن يَفْتِنُوكَ} والحذر هو احتياط الإنسان واحترازه مِمَّن يريد أن يوقع به ضرراً في أمر ذي نفع، والذي يرغب الضر قد يزين لنفسه ولغيره الذر كأنه الخير، على الرغم من أن ما في باطنه هو كل الشر.
إذن فالحذر هو ضرورة الانتباه لمن يريد بالإنسان شراً حتى لا يدخل عليه ضُرّاً في صورة نفع، كأن يأتي خصم ويقول لك: سأضع لك كذا وافعل من أجلك كذا وكذا. يجب عليك هنا أن تقول له: لا.

الصفحة 3184