كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 5)

القرود، فكان يقول له: قف. فيقف. ويقول له: سر. فيسير. واعتبر هذا الكاهن أن مثل هذا الأمر للحمار هو معجزة. أو كان الرجل اسمه «ذو الخمار» أي أنه كان يرتدي خماراً على وجهه. ومن العجيب أن اي مرتد لم يطالبه من يتعبه بعلامة صدقه في النبوة.
إن أول شيء في التأكد من صحة قول أي إنسان: «أنا نبي» أن يسأله الناس عن علامة الصدق في النبوة وأن يتعرفوا على معجزته، لكنا لا نجد ذلك في مرتد أبداً. وكيف لا يسأل الناسُ الذين يتبعون المرتد عن نفسه وعن دعواه أنه نبي وعن معجزته التي تدل على صدق رسالته، وهو ما يحدث مع أي رسول، كيف يؤمن أناس بفرد بدون معجزة؟ .
هنا نذهب إلى الجانب النفسي من الأمر ونقول: إن التدين أمر فطري والإنسان الذي ليس له دين يغضب ويحزن عندما نقول له: يا قليل الدين. ولذلك نجد أن المبطل من هؤلاء يقول: أنا على دين. إنه لا يتصور أنه مبطل بلا دين. ولذلك قال الحق: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6]
فكأن الأصل في الفطرة الأصلية أن الدين ليس مجرد اسم أو صفة، ولكنه التزام بتكاليف. والذي يجعل الناس في خشية من الدين هو مشقة التكاليف؛ لذلك فعندما يأتي إنسان ويقول: أنا نبي ومعجزتي أنني خففت عليكم الصلاة والزكاة والصيام وأبحت لكم النظر إلى نساء بعضكم.
لا بد أن يسيل لعاب أصحاب الهوى الذين لا بصيرة لهم ويقولون: إن مثل ذلك لدين جميل، ويستسلمون ويخدعون أنفسهم بأنهم متدينون ورغم تحللهم من بعض التزامات التدين، إن المرء ليتعجب من مدعي النبوة في الزمن القديم وحتى عصرنا هذا لأننا لم نجد أحداً من المثقفين قد وقف أمام مدع وقال له:
ما معجزتك؟ ولكن الكل سأل: ما منهجك؟ وعندما سأل أهل اليمن ذا الخمار: ما منهجك؟

الصفحة 3210