كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 5)

كانت إجابته: إنه أسقط عنهم بعض التكليفات بداية من تقليل الصلاة والزكاة إلى إباحة الاختلاط بنساء غيرهم. واستراح بعضهم لذلك المنهج وذهلوا وغفلوا عن طلب المعجزة. وكل الذين ادعوا النبوة كانوا من هذا الصنف. ولذلك نجد أن كل مدع للنبوة يحاول التخفيف من المنهج، فهناك من خفف الزكاة.
وجاءت امرأة اسمها سجاح خففت الصلاة. وجاء ثالث ليخفف الربا فيبيحه. لكن أحداً منهم لم يأت بمعجزة. واتبعه بعضهم لمجرد تسهيل المنهج. ومدعي النبوة إنما يرضي النفوس التي لا تطيق ولا تقوى على مشقة المنهج بأن تكون متدينة ملتزمة به.
ومثال ذلك ما حدث في الإسكندرية عندما ظهر مدع للنبوة. وأباح منكراً مثيراً، وتبعه بعض من المتعلمين الذين أرادوا دينا على هواهم، وكذلك كان الأمر في البداية. وعندما جاء ذو الخمار، أو ذو الحمار، وهو كما قلنا: مشعوذ، وكان كما يصفه المؤرخون يسبي قلوب من يسمع منطقه وكان يريهم الأعاجيب، واستطاع بذلك أن يستولي على مُلْك اليمن، وأعلن ارتداده. وغلب على صنعاء وعلى ما بين الطائف إلى البحرين. وجعل يستطير شره استطارة الحريق.
وكان سيدنا معاذ بن جبل هو الوالي على اليمن من قِبَل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فأخبر سيدنا معاذ بن جبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، قال: إن كاهناًَ اسمه ذو الخمار أو ذو الحمار، قد ارتد.
ويذهب سيدنا معاذ إلى حضرموت. وهناك يأتيه كتاب من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يأمره فيه أن يبعث الرجال لمصاولة ذي الخمار. ويحتال المسلمون للنهوض بما أمرهم به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وبعد ذلك يدخل على ذي الخمار رجل ديلمي اسمه فيروز فيقتله على فراشه.
وعلى الرغم من بعد المسافة بين اليمن والمدينة إلا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقول في ليلتها: «قتل الليلة الأسود العنسي» .
وبعد ذلك يأتي الخبر في آخر الشهر أن مدعي النبوة قد قتل. وتلك من إعجازات

الصفحة 3211