كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 5)

{أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين} ، و «على» تفيد العلو.
والذلة تفيد المكانة المنخفضة، فكيف يأتي هذا التعبير؟ لقد جاء هذا القول على هذا الشكل لحكمة هي: أن المؤمن ما دام يحب الله ويحبه الله. وساعة يكون في ذلة لأخيه المؤمن فهذا يرفع من قدره. وهي ليست ذلة بالمعنى المتعارف عليه، ولكنه لين جانب وعطف ورحمة. إذن فقوله الحق: {أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين} يعني أن المؤمنين يعطفون على غيرهم من المؤمنين حتى يبدو هذا العطف وكأنه ذلة. وبعض العلماء يقول: إن المادة «ذال» و «لام» تدل على معنيين متقابلين، مثال ذلك قوله الحق: {وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ} [يس: 72]
أي جعلناها خاضعة لتصرفهم. وهذا التذليل ليس بقهر من الإنسان للأنعام ولكنه بتسخير من الله. وهي ميسرة لخدمة الإنسان. ومثال آخر. قوله الحق: {فاسلكي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً} [النحل: 69]
أي متطامنة مهيأة. إذن فهذه ذلة اللين. وهناك «ذُل» - بضم الذال - وهو ضد العز. وهناك «ذِل» - بكسر الذال - وهو اللين. إذن فالذل بكسر الذال هو ضد الصعوبة؛ أي اللين. والذُّل - بضم الذال - هو ضد العز -، فإذا اردنا ذلّة اللين؛ فذل المؤمن للمؤمن من الذُّل، وإن أردنا الذلة التي هي ضد العز، فهي من الذُّل. وعندما يكون المؤمن على ذِلة للمؤمن. فهي ذِلة اللين والعطف. وعندما يريد الحق الشيء ليتدانى للمؤمن ولا يتعبه، فهو يقول: {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة: 23]
وفي آية أخرى يقول سبحانه: {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً} [الإنسان: 14]
أي دُلِّيت عناقيدها. فالفاكهة تنزل إلى المكان الذي يوجد فيه المؤمن. وإن وقف المؤمن لطال بيده أن يقطف الثمار. وإن اضطجع لاستطاع أن ينال أيضاً من الثمار

الصفحة 3214