كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 6)

والحذر؛ لأن الحق يقول: {واتقوا الله إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} فإن كنتم مؤمنين حقاً فعليكم الأخذ بيقظة الإيمان، عليكم ألا توالوا اليهود والنصارى وكذلك من يتمسح في الإيمان نفاقاً ويريد الانتفاع بمزايا الإسلام ليأخذ حقوقه الظاهرية وقلبه مع غير المؤمنين. وتقوى الله تبدأ من أن ينفذ المؤمن المنهج، ويحاول أن يستبقي للمنهج مناعة اقتداره أمام خصومه بألا يُدخل المؤمنُ في حماية المنهج من لا يؤمن من اليهود والنصارى والكافرين والمنافقين.
ويقول الحق من بعد ذلك: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصلاة اتخذوها ... .}
والنداء هو دعوة بجهر. ومقابل النداء المناجاة. وتثبت هذه الآية أن الأذان مشروع بالقرآن، وفي ذلك رد على الذين يقولون: إن الأذان قد شرع بالسنة. أو أن القرآن بهذه الآية قد أقر تشريع الأذان. {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصلاة اتخذوها هُزُواً وَلَعِباً ذلك بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ} ذلك أنهم كانوا يقولون عن الأذان: لقد صاحوا صياح الحمير. ووصفهم الحق بقوله: {ذلك بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ} والعقل - كما نعلم - هو الأداة التي تؤدي مهمة الاختيار ما بين البدائل؛ أي أن يختار الصالح من الأمور فيدرس مزايا كل أمر ومضاره ويختار الأمر الرابح.
إن الهوى هو الذي يدفع العقل إلى أن يختار أمراً مخالفاً. فيجنح بالعقل إلى الضلال. وآفة الرأي الهوى. ولا يميل الإنسان عن جادة الصواب إلا إذا أراد أن يخدم هواه. ولذلك لا بد أن يكبح المؤمن جماح هواه بعقله، والعقل مأخوذ من عقال البعير، فصاحب الجمل يقيد ساقه بقطعة من الحبل حتى لا يجمح. ويحتاج الإنسان إلى العقل ليكبح جماح الهوى، ولينقذ الإنسان من الضلال لا أن يبرر

الصفحة 3246