كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 8)

ولم يأت بسيرة البر هنا، بل تكلم بالبر والبحر ثم انتقل إلى الحديث عن مجيء الموت، وأيضاً انظر إلى قول الحق سبحانه وتعالى: {وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً ... } [الأحقاف: 15] .
هنا يوصي الحق الإنسان بوالديه، بالأب وبالأم، ثم يتابع: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً ... } [الأحقاف: 15] .
ولم تأت سيرة الرجل بل كل الحيثيات للأم.
ويقول سبحانه وتعالى بعد ذلك: {فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ ... } .
ويروى أن هذه الآية قد نزلت في «قٌصَيّ» وهو جد من أجداده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فقد طلب «قُصَيّ» من الله أن يعطي له الذرية الصالحة، فلما أعطاه ربنا الذرية الصالحة سماها بأسماء العبيد، فلم يقل: عبد الله أو عبد الرحمن، بل قال: عبدمناف، عبد الدار، عبد العزى. وجعل لله شركاء في التسمية، ولهذا جاء قول الحق: {جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا} ؛ ليدلنا على أن الإنسان في أضعف أحواله، أي حينما يكون ضعيفاً عن استقبال الأحداث، يخطر بباله ربنا؛ لأنه يحب أن يسلم نفسه لمن يعطي له ما يريده، وبعد أن ينال مطلبه ينسى، ولذلك يقول الحق: {وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضر دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إلى ضُرٍّ مَّسَّهُ ... } [يونس: 12] .

الصفحة 4517