كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 8)

ونعلم أن الشياطين لن تترك المؤمنين في حالهم، بل تظل في محاولة الغواية، وتحاول الشياطين غواية المؤمنين الطائعين أكثر من محاولتهم غواية العاصين؛ لأن العاصي إنما يعاون الشيطان باتباعه شهوات نفسه، ولا يقصر العاصي أو الشيطان في ذلك، بل يحاول العاصي أو الشيطان غواية المؤمنين و «أقصر» من مادة «قصر» ، أي أنه قادر أن يطول المسافة لكنه يقصرها. وهكذا إلحاح الشياطين لغواية المؤمنين.
فالشيطان - كما جاء في القرآن - يعترف بموقفه من ملاحقة المؤمنين بالوسوسة وتزيين المعاصي. { ... لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المستقيم} [الأعراف: 16] .
والشيطان يعلم أن من لا يتقي الله لا يحتاج إلى تزيين أو غواية؛ لأنه يرغب ويميل للمعاصي والعياذ بالله؛ لذلك لا يبذل الشيطان لغوايته جهدا كبيراً.
ويقول الحق بعد ذلك: {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُواْ ... }
وقد جاء الحق تبارك وتعالى من قبل بكلمة «آيات» ، والآيات - كما أوضحنا - إما آيات كونية وإما آيات المعجزات الدالة على صدق الرسل، وإما آيات الأحكام.
والله سبحانه وتعالى جاء هنا بكلمة: «آية» لا «آيات» ، والكون أمامهم ملئ بآياته، والمنهج المنزل على الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ واضح، ولا ينقص إلا أن

الصفحة 4539