وحين نتأمل كلمة «شر وخير» نقرأ قول الحق تبارك وتعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8] .
فالخير يقابله الشر، وحين يقابل الخير الشر، فالإنسان يميز الخير، لأنه نافع وحسن، ويميز الشر؛ لأنه ضار وقبيح.
ولكن كلمة «خير» تستعمل أحياناً استعمالاً آخر لا يقابله الشر، بل يقال: إن هذا الأمر خير من الثاني، رغم أن الثاني أيضاً خير، مثل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فيما رواه عنه أبو هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه:
«المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير» .
إنّ كلاً منهما - أي المؤمن القوي والمؤمن الضعيف - فيه خير، لكن في الخير ارتقاءات، هناك خير يزيد عن خير، ويخبر المولى في قوله تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدوآب عِندَ الله الصم البكم الذين لاَ يَعْقِلُونَ} .
أي أن الكفار شر ما دبَّ على الأرض لأنهم قد افتقدوا وسيلة الهداية وهي السماع، وبذلك صاروا بكماً أي لا ينطقون كلمة الهدى.
ويقول الحق تبارك وتعالى بعد ذلك: {وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ ... }
فهو سبحانه وتعالى قد علم أنه ليس فيهم خير، فلم يسمعهم سماع الاستجابة.