كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 8)

للنفس المؤمنة، فإذا انتهت الأشهر الحرم كنت أكثر حماسة. تماماً كالإنسان الحليم الذي يرى إنساناً يضايقه باستمرار فيصبر عليه شهراً واثنين وثلاثة، فإذا نفذ صبره كان غضبه قوياً شديداً، وقتاله شرساً، ولذلك قيل: «اتقوا غضب الحليم» ؛ لأن غضبه أقوى من غضب أي إنسان آخر. وكذلك يكون حِلْم المؤمن على الكافر في الأشهر الحرم؛ شحذاً لهمته إذا استمر الباطل في التحدي، وفي هذا تحذير للمسلمين من أن تضعف في نفوسهم فكرة القتال وعزيمتهم فيه، ولذلك يقول الحق سبحانه:
{وَقَاتِلُواْ المشركين كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً}
وكلمة {كَآفَّةً} هنا سبقها أمران: {وَقَاتِلُواْ} فإلي أي طرف ترجع {كَآفَّةً} هنا؟ هل تُرجعها إلى المؤمنين المقاتلين، أم إلى المقاتلين من الكفار؟ وهذا إثراء في الأداء القرآني في إيجاد اللفظ الذي يمكن أن نضعه هنا ونضعه هناك فيعطيك المعنى.
ولكن هل يريدنا الحق أن نقاتل المشركين حالة كوننا - نحن المؤمنين - كافة؟ أم نقاتل المشركين حالة كونهم كافة؟ . إن {كَآفَّةً} كما نعرف لفظ لا يُجمَعُ ولا يُثنَّى، فالرجل كافة، والرجلان كافة، والقوم كافة، وهي مأخوذة من الكف. وتطلق أيضاً على حافة الشيء لأنها منعت امتداده إلى حيز غيره. وفي لغة من يقومون بحياكة الملابس يقال: «كافة الثوب» حين يكون الثوب حين يكون الثوب قد تنسل، فيقول الحائك بمنع التنسيل بتكفيف الثوب.
والحق سبحانه هنا يقول: {وَقَاتِلُواْ المشركين كَآفَّةً} أي: ياأيها المؤمنون كونوا جميعاً في قتال المشركين. وهي تصلح للفرد، أي: للمقاتل الواحد، وللمقاتليْن، ولجماعة المقاتلين.
وقوله: {وَقَاتِلُواْ المشركين كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً} ذلك أن الباطل يتجمع مع الباطل دائماً، والمثال الواضح في السيرة أن يهود المدينة تحالفوا

الصفحة 5092