كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 8)

{وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أَنَّ الله مَعَ المتقين} إذن: فالله يأمر المؤمنين بأن يجتمعوا على قتال الكافرين، ولأن الله مع الذين آمنوا؛ لذلك فهو ينصر المؤمنين، وإذا وُجدَ الله مع قوم ولم يوجد مع آخرين، فأيُّ الكفتين أرجح؟ لا بد من رجحان كفة المؤمنين. {واعلموا أَنَّ الله مَعَ المتقين}
والعلم - كما قلنا - حكم يقين عليه دليل، أي لا يحتاج إلى دليل؛ لأن العلم هو أن تأتي بقضية غير معلومة، م تقيم الدليل عليها لتصبح يقيناً.
وإذا قال الله سبحانه وتعالى: {واعلموا} فالعلم هنا ينتقل من علم يقين إلى عين يقين. والعلم - كما نعرف - قضية معلومة في النفس يؤيدها الواقع وتستطيع أن تقيم عليها الدليل. فإذا علمت بشيء أخبرت به، ويقينك بما علمت يكون على قدر ثقتك بمن أخبرك.
والمثال: حين قيل لأبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال: «إنه أُسْرِيَ به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وعُرِجَ به إلى السماء السابعة، هنا قال الصدِّيق: إن كان قد قال فقد صدق» ، وكانت هذه هي ثقته في القائل، وهو يستمد منها الثقة فيما قال وروي.
وحينما أخبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سيدتنا خديجة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها بخبر الوحي وأبدى خوفه مما يرى، قالت: «كلا والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصِلُ الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتَكْسِبُ المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق» ، وهي بذلك قد أخذت من المقدمات حيثيات الحكم وكانت أول مجتهدة في الإسلام عملت بالقياس. فقد قاست الحاضر بالماضي.

الصفحة 5094