كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 8)

وعندما يقول الحق: {واعلموا أَنَّ الله مَعَ المتقين} فيكفينا أن يكون هذا كلام الله سبحانه ليكون يقيناً في نفوسنا، وهناك علم يقين يأتيك ممن تثق في علمه وصدقه، وأنت إن رأيت الشيء الذي أخبرت به وشاهدته يصبح عين يقين، فإذا اختبرته وعِشْت فيه يصبح حقَّ يقين.
وحين قال الحق: {واعلموا أَنَّ الله مَعَ المتقين} وجدنا بعض المؤمنين قد أخذوها على أنها علم عين يقين، أو حق يقين؛ لأنهم شاهدوا ذلك في المعارك حين كانوا قلة، فمن أخذ كلام الله دون مناقشة عقلية - لأن الله هو القائل - أخذه علم يقين. والذي أخذ الكلام على أنه يصل إلى درجة المشاهدة أخذه على أنه حق يقين، والذي أخذ الكلام كأنه عايشه فهذا عين يقين، ولكي نعرف هذه المنازل نقرأ قول الحق سبحانه وتعالى: {أَلْهَاكُمُ التكاثر حتى زُرْتُمُ المقابر كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليقين} [التكاثر: 1 - 5] .
وهذه أولى الدرجات: علم يقين؛ لأنه صادر عن الحق سبحانه وتعالى: {لَتَرَوُنَّ الجحيم ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ اليقين} [التكاثر: 6 - 7] .
أي: أنكم في الآخرة سوف ترونها بأعينكم بعد أن كنتم مؤمنين بها كعلم يقين، أما الآن فقد أصبحت عين يقين أي مشاهدة بالعين. وفي هذه السورة أعطانا الحق مرحلتين من مراحل اليقين هما: علم اليقين وعين اليقين، ففي الآخرة سوف يُضرب الصراط على جهنم، ويرى الناس - كل الناس، المؤمن منهم والكافر - نار جهنم، وهم يمرون فوق الصراط، ويرونها مشتعلة متأججة، وحين يمر المؤمن فوق الصراط ويرى جهنم وهولها، يعرف كيف نجاه الإيمان من هذا العذاب الرهيب فيفرح؛ فإذا دخل الجنة ورأى نعيمها يزداد فرحة؛ فله فرحة بأنه نجا من العذاب،

الصفحة 5095