كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 8)

إن الطبيب لن يتأثر ولن يضره شيء مما فعله هذا المريض، ولكنه هو الذي سيزداد عليه المرض ويقود نفسه إلى الهلاك، وكذلك الإنسان إن لم يتبع منهج الله، فإنه يضيع نفسه ويُغرقها في الشقاء؛ لأن الحق سبحانه قد وضع هذا المنهج وفيه علاج لكل أمراض الإنسان، فإن عمل به الإنسان نجا من بلاء الدنيا، وإذا عمل به مجتمع لن يظهر فيه الشقاء. بل يمتلىء بالرخاء والأمن والطمأنينة، ومن لم يعمل به فلن يضر الله شيئاً، بل يحصل على الشقاء ويهلك نفسه.
وحين يخاطب الحق سبحانه الذين آمنوا يوضح: خذوا مني هذا التكليف ففيه سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، ولهذا نجد أن الحق سبحانه وتعالى لا يذكر أمراً من أوامره بأي تكليف أو نهياً من نواهيه، إلا مسبوقاً بقوله سبحانه: {ياأيها الذين آمَنُواْ} مثل قوله تعالى: {ياأيها الذين آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام ... } [البقرة: 183] .
وقوله سبحانه: {ياأيها الذين آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص ... } [البقرة: 178] .
وهذه التكليفات لمَ تأتِ مبنية للمعلوم، فمن الذين يكتب؟ إنه الحق سبحانه، كما أنها صيغة مبنية دائماً لما لم يُسَمَّ فاعله، أي: أن الكتابة أتت من كثير. ونقول: صحيح أن الله سبحانه وتعالى هو الذي كتب، فلماذا لم يقل: يأيها الذين آمنوا كتبتُ عليكم. ولماذا يقول: {ياأيها الذين آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام} ؟ . ونقول: لأن الله وإن كان قد كتب، إلا أنه لم يكتبها على كل خلقه، بل كتبها على الذين

الصفحة 5103