كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 8)

وكيف يكون الإنسان عزيزاً وذليلاً في الوقت نفسه؟ وكيف يوصف الشخص نفسه بأنه عزيز وذليل؟ وكيف يمكن أن يجتمع النقيضان في شخص واحد؟ لكنك تقرأ ما يطمئنك في قول الحق: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله والذين مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ ... } [الفتح: 29] .
لقد وصف الحق سبحانه المؤمنين بأنهم أشداء، ووصفهم أيضاً بأنهم رحماء، ولكي تفهم هذا المعنى عليك أن تعلم أن المواقف الإيمانية هي التي تحدد مشاعر المؤمن، ولا تحددها طباعه الخاصة والشخصية، وهو يُكيِّف مواقفه حسب الموقف الإيماني وما يتطلبه، فهو شديد ورحيم، وذليل وعزيز.
ونعود إلى غزوة تبوك التي نزلت فيها الآية التي نتناولها بخواطرنا وإلى السؤال: كيف يحارب المسلمون الروم، وقد حزنوا يوم هزيمة الروم من الفرس؟ ونقول: لقد حزن المسلمون لأن إلحاداً ينكر الألوهية قد انتصر على إيمان مرتبط برسالات السماء؛ ولأن الروم - وهم نصارى - مرتبطون برسالات السماء. ولذلك فهم أقرب إلى قلوب المؤمنين من الكفار، إذن: فالمسألة قد أُخِذَتْ من ناحية الوجود الإلهي. أما في غزوة تبوك فقد أُخِذَتْ من ناحية قبول المنهج الناسخ ومنع الدعوة له، ولهذا تحول الموقف في غزوة تبوك إلى عداء إيماني، وهذا هو السبب الذي أدَّى إلى الحرب.

الصفحة 5120