كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 8)

فإذا نظرنا إلى الغزوة نفسها نجد أن تبوك تبعد عن المدينة بمسافة كبيرة، ووقت الغزوة كان صيفاً شديد الحرارة، كما أنها كانت بعد غزوة حنين التي قاتل المؤمنون فيها قتالاً شديداً.
وكان العام عام عسرة، فلم يكن مع الجيش ما يكفيه من طعام أو خيل أو جمال.
إذن: فقد اجتمعت المشقة في هذه الغزوة؛ مع حرارة الجو؛ وبُعْد المسافة، وكانت قوى المسلمين مُنْهكَة من غزوة حنين. وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إذا أراد الخروج لغزوة، لا يخبر عنها أصحابه إلا عندما يصلون إلى مكان القتال؛ إلا هذه الغزوة فقد بيَّنها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لصحابته قبل أن يغادروا المدينة؛ لكي يستعدوا للمشقة التي تنتظرهم. وتباطأ المسلمون، وبعضهم كان يستمتع بالجلوس في ظل البساتين الموجود في المدينة ويأكل من ثمارها. واستطاب - هذا البعض - الثمار والظلال؛ لذلك تباطأوا في الذهاب إلى القتال، فنزلت هذه الآية ببيان اللوم، ثم جاءت الآية التي بعدها لتوضح وتُبيِّن العقوبة، فقال الحق: {إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً ... }
أي: إن لم تذهبوا إلى القتال فإن الله ينذركم بالعذاب. وإذا أنذر الحق فلا بد أن يتحقق ما أنذر به، فأنتم إن لم تنفروا مخافة العذاب المظنون، وهو الإرهاق والتعب، فما بالكم بالعذاب المحقق إن لم تنفذوا أمر الله بالنَّفْرة إلى القتال؟ وإذا كانت المقارنة بين مشقة السفر والقتال والحر

الصفحة 5121