كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 8)

الشديد، وبين عذاب الله، فالمؤمن سوف يختار - بلا شك - مشقة الحرب مهما كانت؛ لأن كل فعل إنما يكون بقياس فاعله، فمظنة العذاب بالحر، أو مشقة السفر، وقسوة القتال لا يمكن قياسها بعذاب الله؛ لأن العذاب الذي ينتظر مَنْ يتباطأ أو يفِرُّ من الزحف أكبر من مشقة الاستجابة للزحف مهما كانت مرهقة.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} إذن: فلا تظنوا أنكم بتباطئكم؛ وعدم رغبتكم في القتال ستضرون الله شيئاً؛ لأن الله قادر على أن يأتي بخلق جديد، وهو على ذلك قدير، لذلك يقول: {والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} . وفي آية أخرى يقول الحق سبحانه: {هَا أَنتُمْ هؤلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ الله فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ والله الغني وَأَنتُمُ الفقرآء وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يكونوا أَمْثَالَكُم} [محمد: 38] .
فلا تظنوا أنكم بما معكم من ثراء أو قوة قادرون على عرقلة منهج الله بالبخل أو التخاذل؛ لأنه سبحانه قادر على أن يستبدلكم بقوم غيركم، يملكون حمية القتال والتضحية في سبيل الله؛ لأنه القادر فوق كل الخلق.
وقوله سبحانه: {والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} هو حيثية للأحكام التي سبقتها من قوله: {إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً} وإن ظن واحد منهم أن هذا كلام نظري، فالحق سبحانه يضرب لهم المثل العملي من الواقع الذي شاهدوه وعاصروه حينما اجتمع كفار قريش ليقتلوه فنصره الله عليهم، فقال جل جلاله:

الصفحة 5122