كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 8)

إن كان قد قال فقد صدق. فحين يقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لأبي بكر فيما يحكيه سبحانه: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا} ، فلا بد أن يذهب الحزن عن أبي بكر، وقد خشي سيدنا أبو بكر حين دخل الغار ووجد ثقوباً، خشي أن يكون فيها حيات، أو ثعابين، فأخذ يمزق ثوبه ويسد به تلك الثقوب؛ حتى لم يَبْقَ من الثوب إلا ما يستر العورة، فسدَّ الثقوب الباقية بيده وكعبه.
إذن: فأبو بكر يريد أن يفدي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بنفسه؛ لأنه إن حدث شيء لأبي بكر فهو صحابي، أما إن حدث مكروه لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فالدعوة كلها تُهدم. إذن: فأبو بكر لم يحزن عن ضعف إيمان، ولكنه حزن خوفاً على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يُصَابَ بمكروه.
ويأتي الحق سبحانه وتعالى فيقول: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا} اختلف العلماء في قوله تعالى {عَلَيْهِ} ، هل المقصود بها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ؟ أو أن المقصود بها أبو بكر؟ وما دامت السكينة قد نزلت؛ فلا بد أنه نزلت على قلب أصابه الحزن. ولكن العلماء يقولون: إى الضمائر في الآيات تعود على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فالحق قال: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ} أي محمداً عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ، وسبحانه يقول: {فَقَدْ نَصَرَهُ الله} أي محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، ويقول أيضاً: {إِذْ أَخْرَجَه} أي محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فكل الضمائر في الآية عائدة على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.

الصفحة 5129