كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 8)

وهنا يقدم الحق سبحانه العفو عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الذي أذن لهم بالقعود عن القتال، ثم يأتي القرآن من بعد ذلك ليؤكد أن ما فعله رسول الله بالإذن لهم بالقعود كان صواباً، فيقول في موضع آخر من نفس السورة: {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً} [التوبة: 47] .
إذن: فلو أنهم خرجوا لكانوا سبباً في الهزيمة، لا من أسباب النصر. وصوَّبَ الحق عمل الرسول، وهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ له العصمة.
وهنا نحن أمام عفو من الله، على الرغم من عدم وجود ذنب يُعفى عنه، وهنا أيضاً إذن من الرسول لهم بالقعود، ونزل القرآن ليؤكد صوابه.
وهناك من فهم قول الحق: {لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} على أنها استفهام استنكاري، وكأن الحق يقول: كيف أذِنْتَ لهم بالعفو؟
إذن: فرسول الله بين أمرين: بين عفو لا يُذْكَرُ بعده ذنب، واستفهام يفيد عند البعض الإنكار.
ونقول: إن الحق سبحانه وتعالى أيَّد رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بقوله: {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً} [التوبة: 47] .
فكأن الرسول قد هُدِيَ إلى الأمر بفطرته الإيمانية، وقد أشار القرآن إلى ذلك؛ ليوضح لنا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ معصوم وفطرته سليمة، وكان عليه أن يقدم البيان العقلي للناس؛ لأنه الأسوة حتى لا يأتي من بعده واحد من عامة الناس ليفتي في مسألة دينية ويقول: أنا رأيت بفطرتي كذا، بل لا بد أن يتبين الإنسان ما جاء في القرآن والسنة قبل أن يفتي في أمر من أمور الدين.

الصفحة 5148