كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 1)

«إنما الأعمال بالنيات»
فلابد من عمل بعد النية. . لأن النية تنتفع بها وحدك والعمل ويعود على الناس. . فإذا كان في نيتك أن تتصدق وتصدقت انتفع الفقراء بمالك. . ولكن إذا لم يكن في نيتك فعل الخير وفعلته لتحصل على سمعة أو لترضي بشرا انتفع الفقراء بمالك ولن تنتفع أنت بثواب هذا المال. . والله سبحانه وتعالى يريد أن يقترن عملك بنية الإخلاص لله. . والعمل حركة في الحياة. والنية هي التي تعطي الثواب لصاحبه أو تمنع عنه الثواب ولذلك يقول الله جل جلاله: {إِن تُبْدُواْ الصدقات فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفقرآء فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة: 271]
فالله سبحانه وتعالى يريدنا أن نتصدق. . والفقير سينتفع بالصدقة سواء كانت نيتك أن يقال عنك رجل الخير المتصدق. . أو أن يقال عنك رجل البر والتقوى أو أن تخفي صدقتك. . فالعمل يفعل فينتفع به الناس سواء أردت أو لم ترد.
أنت إذا قررت أن تبني عمارة، النية هنا هي التملك. ولكن انتفع ألوف الناس بهذا العمل ابتداء من الذي باع لك قطعة الأرض والذي أعد لك الرسم الهندسي وعمال الحفر والذي وضع الأساس ومن قام بالبناء وغيرهم وغيرهم. . هؤلاء انتفعوا من عملك برزق لهم. . سواء أكان في بالك الله أم لم يكن في بالك الله فقد انتفعوا.
إذن فكل عمل فيه نفع للناس أردت أو لم ترد. . ولكن الله لا يجزي على الأعمال بإطلاقها وإنما يجزي على النيات بإخلاصها. . فإن كان عملك خالصا لله جزاك الله عليه. . وإن كان عملك لهدف آخر فلا جزاء لك عند الله لأنه سبحانه أغنى الشركاء عن الشرك.
إن الذين يتعجبون من أن إنسانا كافرا قدم كشفاً هاماً للبشرية ولكنه لم يكن مؤمنا بالله. . يتعجبون أيعذب في النار؟ نقول نعم لأنه عمل وليس في قلبه الله. . ولذلك يجازى في الحياة الدنيا، فتقام له التماثيل ويطلق اسمه على الميادين ويخلد اسمه في الدنيا التي عمل من أجلها. . ولكن مادام ليس في نيته الله فلا جزاء له عند الله.

الصفحة 618