كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 1)

قال الله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المسجد الحرام} . . والمراد بالوجه هو الذات كلها وكلمة شطر معناها الجهة، والشطر معناه النصف. . وكلا المعنيين صحيح لأنه حين يوجد الإنسان في مكان يصبح مركزاً لدائرة ينتهي بشيء اسمه الأفق وهو مدى البصر. . وما يخيل إليك عنده أن السماء انطبقت على الأرض.
إن كل إنسان منا له دائرة على حسب نظره فإذا ارتفع الإنسان تتسع الدائرة. . وإذا كان بصره ضعيفا يكون أفقه أقل، ويكون هو في وسط دائرة نصفها أمامه ونصفها خلفه.
إذن الذي يقول الشطر هو النصف صحيح والذي يقول أن الشطر هو الجهة صحيح.
وقوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المسجد الحرام} . . أي اجعل وجهك جهة المسجد الحرام أو اجعل المسجد الحرام في نصف الدائرة التي أمامك. . وفي الزمن الماضي كانت العبادات تتم في أماكن خاصة. . إلى أن جاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فجعل الله له الأرض كلها مسجدا.
إن المسجد هو مكان السجود ونظراً لأن السجود هو منتهى الخضوع لله فسمي المكان الذي نصلي فيه مسجدا.
. ولكن هناك فرق بين مكان تسجد فيه ومكان تجعله مقصورا على الصلاة لله ولا تزاول فيه شيئا آخر. المسجد مخصص للصلاة والعبادة. . أما المكان الذي تسجد فيه وتزاول حركة حياتك فلا يسمى مسجداً إلا ساعة تسجد فيه. . والكعبة بيت الله. باختيار الله. وجميع مساجد الأرض بيوت الله باختيار خلق الله. . ولذلك كان بيت الله باختيار الله قبلة لبيوت الله باختيار خلق الله.
وقوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ} يعني أينما كنتم. . {فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} . . لأن الآية نزلت وهم في مسجد بني سلمة بالمدينة فتحول المسلمون إلى المسجد الحرام. . وحتى لا يعتقد أحد أن التحويل في هذا المسجد فقط وفى الوقت الذي نزلت فيه الآية فقط قال تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} . .
وقوله جل جلاله: {وَإِنَّ الذين أُوتُواْ الكتاب لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحق مِن رَّبِّهِمْ وَمَا الله

الصفحة 631