كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 11)

لذلك لا يُديم الله سبحانه غِنَى أحدٍ أبد الدهر، بل جعل الدنيا دُوَلاً بين الناس.
إذن: فلو عرف هذا الملأ الكافر من قوم نوح عليه السلام معنى كلمة الفضل لما قالوها؛ لأن الفضل هو الزائد عن المطلوب للكائن، في المحسوسات أو المعاني والفضل يقتضي وجود فاضل ومفضول.
ولينظر كل طاغية في حياته ليرى ما الفاضل فيها؟
إنه بعض من المال أو الجاه، وكل مَنْ يخدم هذا الطاغية هم أصحاب الفضل؛ لأن سيادة الطاغية مبنية على عطائهم.
فهم أصحاب الفضل، ما دام الفضل هو الأمر الزائد عن الضروري.
إذن: فحقيقة ارتباط العالم بعضه ببعض، هو ارتباط الحاجة لا ارتباط السيطرة، ولذلك حين نرى مسيطراً يطغى، فنحن نقول له: تعقَّل الأمر؛ لأنك ما سيطرت إلا بأناس من الأراذل، فإظهار قوته تكون بمن يُجيدون تصويب السلاح، أو بمن تدربوا على إيذاء البشر، فهو يبني سيادته ببعض الأراذل، كوسائل لتحقيق سيطرته.
وقول الكافرين من ملأ نوح عليه السلام:
{وَمَا نرى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ} [هود: 27] .
يكشف أنهم قد فهموا الفضل على أنه الغِنَى، والجاه والمناصب، وهم قد أخطأوا الفهم.

الصفحة 6435