كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 11)
وهناك فارق بين احتكاك الآراء، وتحكُّك الآراء، فالتحكك كالتلكَّك، وهو الرغبة في عدم الوصول إلى الحق، لكن الاحتكاك هو الذي يوصل إلى الحق، مثلما نحكُّ الزناد بقطعة من حديد فتولد الشرر لنرى الحق، أما التحكُّك فهو يواري ويطمس الحقيقة.
والمِرَاء هو الجدَال بعد أن يظهر الحق، وهو مأخوذ من مَرَى الضَّرع، فحينَ يقومون بإنزال اللبن من ضرع الناقة أو البقرة، فالضرع يكون ملآن، وينزل منه اللبن بشدة وقوة، وبعد أن ينتهي حَلْبُ الضرع، يظل مَنْ يحلبها مُمْسِكاً بحَلَمات الناقة أو الجاموسة، ويستحلب ما بقى من اللبن، ويُقال لهذا الجزء الأخير «المريى» .
ولذلك أخذوا من هذه العملية كلمة «المراء» ، وهو ما بعد ظهور الحق.
وهناك بجانب الجدال والمراء، والاحتكاك، والتحكُّك، والحِجَاج؛ والمراد بالحجاج هو إظهار حجة الخصم على الخصم.
وبعد أن مَلُّوا من جدال نوح عليه السلام طلبوا أن ينزل بهم العذاب الذي أنذرهم به، وقد استبطأوا مجيء هذا العذاب؛ لأن نوحاً عليه السلام عاش بينهم ألف سنة إلا خمسين، وقالوا:
{فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} [هود: 32] .
وكأنهم بهذا القول قد أخرجوا نوحاً مَخْرج من بيده أن يأتي بالعذاب، أو يمنع العذاب، وهذه مسألة لا يملكها نوح، بل هي مِلْك لله سبحانه وتعالى.
الصفحة 6450
15449