كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 11)
وقد أتقن داود عليه السلام صناعة تلك الدُّروع بتلك الهندسة الدقيقة التي أوحى الحق سبحانه بها إليه، فقد صنعها بأمر الحق الأعلى سبحانه حين قال له: {وَقَدِّرْ} [سبأ: 11] وكلمة قدر تعطي معنى التقدير والإتقان.
فعلى الذين يصنعون الأشياء عليهم أن يعلموا أن القرآن الكريم لحظة يوجِّه إلى الإتقان في الأداء والعمل، فإنه يعلمنا طريقة التقدير والإتقان في العمل والإبداع فيه، لتتخذ من هذا التوجيه نبراساً نسير عليه؛ ليكون العمل صالحاً، وأنت ترى من يتقن صنعته وهو يقول: «الله» ، وكأن هذا القول اعتراف الفطرة الأولى بقدرة الحق سبحانه على أن يَهَبَ الإنسانَ طاقة الإتقان والإبداع.
ويقول الحق سبحانه أيضاً في تعليمه لداود عليه السلام:
{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ} [الأنبياء: 80] .
وهكذا يلقي الله تعالى الخاطر في قلب الرسول أو النبي أن «افعل كذا» ؛ فيفعل.
وحين ننظر إلى حضارة مصر القديمة، نجد كلَّ علومها وفنونها في التحنيط والألوان والنَّحت، كانت من اختصاص الكهنة الذين يُمثِّلون السلطة الدينية، ولم يكتب هؤلاء الكهنة أسرار تلك العلوم، فلم يستطع أحد من المعاصرين أن يتعرف عليها.
وهكذا نجد أن كل أمر في أصوله؛ مصدره السماء.
وفي قصة نوح عليه السلام نجد الحق سبحانه يقول:
الصفحة 6463
15449