كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 1)

نحن بالخير في الدنيا والآخرة. .
أن أفعال الله لا تعلل، والمأمور بالعبادة هو الذي سينتفع بها.
ولكن هل العبادة هي الجلوس في المساجد والتسبيح أو أنها منهج يشمل الحياة كلها. . في بيتك وفي عملك وفي السعي في الارض؟ . . ولو أراد الله سبحانه وتعالى من عباده الصلاة والتسبيح فقط لما خلقهم مختارين بل خلقهم مقهورين لعبادته ككل ما خلق ما عدا الانس والجن. . والله تبارك وتعالى له صفة القهر. . من هنا فانه يستطيع أن يجعل من يشاء مقهورا على عبادته. . مصداقا لقوله جل جلاله: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السمآء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 3 - 4] فلو أراد الله ان يخضعنا لمنهجه قهراً لا يستطيع أحد أن يشذ عن طاعته. . وقد أعطانا الله الدليل على ذلك بأن في أجسادنا وفي أحداث الدنيا ما نحن مقهورون عليه. . فالجسد مقهور لله في أشياء كثيرة. القلب ينبض ويتوقف بأمر الله دون ارادة منا. . والمعدة تهضم الطعام ونحن لا ندري عنها شيئا. . والدورة الدموية في اجسادنا لا ارادة لنا فيها. . وأشياء كثيرة في الجسد البشري كلها مقهورة لله سبحانه وتعالى. . وليس لإرادتنا دخل في عملها. . وما يقع على في الحياة من أحداث أنا مقهور فيه.
. لا أستطيع أن أمنعه من الحدوث. . فلا استطيع أن أمنع سيارة أن تصدمني. . ولا طائرة أن تحترق بي. . ولا كل ما يقع علي من أقدار الله في الدنيا. .
اذن فمنطقة الاختيار في حياتي محددة. . لا أستطيع أن أتحكم في يوم مولدي. . ولا فيمن هو أبي ومن هي أمي. . ولا في شكلي هل أنا طويل أم قصير؟ جميل أم قبيح أو غير ذلك. اذن فمنطقة الاختيار في الحياة هي المنهج أن أفعل أو لا أفعل. الله سبحانه وتعالى له من كل خلقه عبادة القهر. . ولكنه يريد من الانس والجن عبادة المحبوبية. . ولذلك خلقنا ولنا اختيار في أن نأتيه أو لا نأتيه. . في أن نطيعه أو نعصيه. في أن نؤمن به أو لا نؤمن.

الصفحة 80