كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 1)

الحديث هنا عن العاصين والضالين. ولكن الله سبحانه وتعالى قال عنهم عباد. نقول إن هذا في الاخرة. . وفي الآخرة كلنا عباد لأننا مقهورون لطاعة الله الواحد المعبود تبارك وتعالى. . لأن الاختيار البشري ينتهي ساعة الاحتضار. . ونصبح جميعا عباداً لله مقهورين على طاعته لا اختيار لنا في شيء.
والله سبحانه وتعالى قد أعطى الانسان اختياره في الحياة الدنيا في العبودية فلم يقهره في شيء ولا يلزم غير المؤمن به بأي تكليف.
. بل إن المؤمن هو الذي يلزم نفسه بالتكليف وبمنهج الله فيدخل في عقد ايماني مع الله تبارك وتعالى. . ولذلك نجد أن الله جل جلاله لا يخاطب الناس جميعا في التكليف. . وانما يخاطب الذين آمنوا فقط فيقول: {ياأيها الذين آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام كَمَا كُتِبَ عَلَى الذين مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] ويقول سبحانه: {يَآأَيُّهَا الذين آمَنُواْ استعينوا بالصبر والصلاة إِنَّ الله مَعَ الصابرين} [البقرة: 153] أي أن الله جل جلاله لا يكلف إلا المؤمن الذي يدخل في عقد ايماني مع الله.
وسيد المرسلين محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عندما نضعه في معيار العبادية يكون القمة فهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الذي حقق العبادية المرادة لله من خلق الله كما يحبها الله. .
اذن فالذي يقول غاية الخلق كله محمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ. . نقول ان هذا صحيح، لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حقق العبادية المثلى المطلوبة من الله تبارك وتعالى. . والتي هي علة الخلق. . وهكذا نعرف المقامات العالية لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عند خالقه.

الصفحة 82