كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 13)

وكما رأينا في تاريخ الإسلام نماذج للنوع الأول الذي أُكْرِه وقلبه مطمئن بالإيمان، كذلك رأينا نماذج لمن شرح بالكفر صَدْراً، وهم المنافقون، ومنهم مَنْ أسلم بعد ذلك وحَسُن إسلامه، ومنهم عبد الله ابن سعد بن أبي السرح من عامر بن لؤي.
ثم يقول الحق سبحانه: {ذلك بِأَنَّهُمُ استحبوا. .} .
{ذلك} أي: ما استحقوه من العذاب السابق.
{ذلك بِأَنَّهُمُ استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة. .} [النحل: 107] .
استحب: أي آثر وتكلَّف الحب؛ لأن العاقل لو نظر إلى الدنيا بالنسبة لعمره فيها لوجدها قصيرة أحقر من أَنْ تُحبَّ لذاتها، ولَوجدَ الأغيار بها كثيرة تتقلَّب بأهلها فلا يدوم لها حال، ينظر فإذا الأحوال تتبدّل من الغنى إلى الفقر، ومن الصحة إلى السَّقَم، ومن القوة إلى الضعف، فكيف إذن تستحب الدنيا على الآخرة؟!
والحق تبارك وتعالى يريد منّا أنْ نعطي كلاً من الدنيا والآخر ما يستحقه من الحب، فنحب الدنيا دون مبالغة في حبها، نحبها على أنها مزرعة للآخرة، وإلاَّ، فكيف نطلب الجزاء والثواب من الله؟
لذلك نقول: إن الدنيا أهمّ من أنْ تُنسى، وأتفه من أن تكون غاية، وقد قال الحق سبحانه: {وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدنيا. .} [القصص: 77] .

الصفحة 8236