يؤولها بعضهم على معنى (مع ظلمهم) نقول: المعنى صحيح، ولكن المعية لا تقتضي العلو، فلو قلنا: مع ظلمهم فالمعنى أن المغفرة موجودة مع الظلم مجرد معية، أما قول الحق سبحانه: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ. .} [الرعد: 6] .
أي: أن المغفرة عَلَت على الظلم، فالظلم يتطلب العقاب، ولكن رحمة الله ومغفرته عَلَتْ على أنْ تُعامِل الظالم بما يستحق، فرحمة الله سبقتْ غضبه، ونفس الملحظ نجده في قول الحق سبحانه: {الحمد للَّهِ الذي وَهَبَ لِي عَلَى الكبر إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [إبراهيم: 39] .
فالكبر كان يقتضي عدم الإنجاب ولكن هبة الله علت على سنة الكِبَر.
ثم يقول الحق سبحانه: {ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ. .} .
فبعد أن تحدثتْ الآيات عن النموذج الإيماني الأعلى في الإنسان في شخص أبي الأنبياء إبراهيم، وجعلتْ من أعظم مناقبه أن الله أمر خاتم رسُله باتباعه، أخذتْ في بيان الملامح العامة لمنهج الدعوة إلى الله.
قوله: {ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ. .} [النحل: 125] .
الحق تبارك وتعالى لا يُوجّه هذا الأمر بالدعوة إلى رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلا وهو يعلم أنه سيُنفِّذ ما أُمِر به، وسيقوم بأمر الدعوة، ويتحمل مسئوليتها.