كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 14)

ولكي نستكمل حَلَّ ما أشكل في هذه المسألة لا بُدَّ لنا أن نعلم أن منطقة الاختيار هذه لا تكون إلا في الدنيا في دار التكليف؛ لأنها محل الاختيار، وفيها نستطيع أن نُمَيِّز بين العباد الذين انصاعوا لربهم وخرجوا عن مرادهم لمراده سبحانه، وبين العبيد الذين تمرَّدوا واختاروا غير مراد الله عَزَّ وَجَلَّ في الاختياريات، أما في القهريات فلا يستطيعون الخروج عنها.
فإذا جاءت الآخرة فلا محلَّ للاختيار والتكليف، فالجميع مقهور لله تعالى، ولا مجالَ فيها للتقسيم السابق، بل الجميع عبيد وعباد في الوقت ذاته.
إذن: نستطيع أن نقول: إن الكل عباد في الآخرة، وليس الكل عباداً في الدنيا. وعلى هذا نستطيع فهم معنى (عباد) في الآيتين: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ. .} [المائدة: 118]
وقوله: {أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ. .} [الفرقان: 17]
فسمّاهم الحق سبحانه عباداً؛ لأنه لم يَعُدْ لهم اختيار يتمردون فيه، فاستوَوْا مع المؤمنين في عدم الاختيار مع مرادات الله عَزَّ وَجَلَّ.
إذن: فقول الحق سبحانه: {فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ. .} [الإسراء: 5]
المقصود بها الإفساد الأول الذي حدث من اليهود في ظِلِّ الإسلام، حيث نقضوا عهدهم مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، والعباد هم رسول الله والذين آمنوا معه عندما جَاسُوا خلال ديارهم، وأخرجوهم من المدينة وقتلوا منهم مَنْ قتلوه، وسَبَوْا مَنْ سَبَوْه.

الصفحة 8357