كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 1)

ويكفي أن تراقب قضبان السكة الحديد. . عندما يبدأ القطار في اتخاذ طريق غير الذي كان يسلكه فهو لا ينحرف في أول الأمر إلا بضعة ملليمترات. . أي أن أول التحويلة ضيق جدا وكلما مشيت اتسع الفرق وازداد اتساعا. بحيث عند النهاية تجد أن الطريق الذي مشيت فيه يبعد عن الطريق الأول عشرات الكيلو مترات وربما مئات الكيلو مترات. . إذن فأي انحراف مهما كان بسيطا يبعدك عن الطريق المستقيم بعدا كبيرا. . ولذلك فإن الدعاء: {اهدنا الصراط المستقيم} أي الطريق الذي ليس فيه إعوجاج ولو بضعة ملليمترات. . الطريق الذي ليس فيه مخالفة تبعدنا عن طريق الله المستقيم.
لذلك فإن الانسان المؤمن يطلب من الله سبحانه وتعالى أن يهديه الى أقصر الطرق للوصول الى الغاية. . وما هي الغاية؟ انها الجنة والنعيم في الآخرة. . ولذلك نقول يا رب اهدنا وأعنا على أن نسلك الطريق المستقيم وهو طريق المنهج ليوصلنا الي الجنة دون أن يكون فيه أي اعوجاج يبعدنا عنها.
ولقد قال الله سبحانه وتعالى في حديث قدسي. انه اذا قال العبد: {اهدنا الصراط المستقيم} يقول جل جلاله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.
يقول الحق تبارك وتعالى: {صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ما معنى {الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ؟ . . اقرأ الآية الكريمة: {وَمَن يُطِعِ الله والرسول فأولئك مَعَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النبيين والصديقين والشهدآء والصالحين وَحَسُنَ أولئك رَفِيقاً} [النساء: 69] وأنت حين تقرأ الآية الكريمة فأنت تطلب من الله تبارك وتعالى أن تكون مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. . أي أنك تطلب من الله جل جلاله. . أن يجعلك تسلك نفس الطريق الذي سلكه هؤلاء لتكون معهم في الآخرة. . فكأنك تطلب الدرجة العالية في الجنة. . لأن كل من ذكرناهم لهم مقام عال في جنة النعيم. . وهكذا فإن الطلب من الله سبحانه وتعالى هو أن يجعلك تسلك الطريق الذي لا اعوجاج فيه. والذي يوصلك في أسرع وقت الي الدرجة العالية في الآخرة.

الصفحة 87