كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 15)

ثم يقول تعالى: {فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي} [الكهف: 98] أي: الآخرة {جَعَلَهُ دَكَّآءَ} [الكهف: 98] فإياكم أن تظنوا أن صلابة هذا السَّد ومتانته باقية خالدة، إنما هذا عمل للدنيا فحسب، فإذا أتى وَعْد الله بالآخرة والقيامة جعله الله دكاً وسوّاه بالأرض، ذلك لكي لا يغترون به ولا يتمردون على غيرهم بعد أنْ كانوا مُستذلّين مُستضعفين ليأجوج ومأجوج. وكأنه يعطيهم رصيداً ومناعة تقيهم الطغيان بعد الاستغناء.
{وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً} [الكهف: 98] واقعاً لاشك فيه.
والتحقيق الأخير في مسألة ذي القرنين وبناء السد أنه واقع بمكان يُسمَّى الآن (بلخ) والجبلان من جبال القوقاز، وهما موجودان فعلاً، وبينهما فَجْوة مبنيُّ فيها، ويقولون: إن صاحب هذا البناء هو قورش، وهذا المكان الآن بين بحر قزوين والبحر الأسود.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ} .
فإذا كانت القيامة تركناهم يموج بعضهم في بعض، كموج الماء لا تستطيع أن تفرق بعضهم من بعض، كما أنك لا تستطيع فصل ذرات الماء في الأمواج، يختلط فيهم الحابل بالنابل، والقويّ بالضعيف، والخائف بالمخيف، فهم الآن في موقف القيامة، وقد انتهت العداوات الدنيوية، وشُغِل كل إنسان بنفسه.
وقوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصور فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً} [الكهف: 99] .

الصفحة 8993