كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 15)

الآية، كيف يقول سبحانه (أَتَى) بصيغة الماضي، ثم يقول: {فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: 1] أي: في المستقبل؟ نقول: لأن قوله تعالى: (أتَى) فهذه قضية منتهية لا شكّ فيها ولا جدالَ، فليس هناك قوة أخرى تعارضها أو تمنع حدوثها؛ لذلك جاءت بصيغة الماضي وهي في الواقع أمر مستقبل.
ثم يقول الحق سبحانه: {فَحَمَلَتْهُ فانتبذت بِهِ}
(فَحَملتْهُ) أي: حملتْ به على الحذف والإيصال، والحمل يقتضي حاملاً ومحمولاً. {فانتبذت بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً} [مريم: 22] لا تظن أن هذه اللقطة من القصة لقطةٌ مُعَادة، فالانتباذ الأول كان للخلوة للعبادة، وهنا {فانتبذت بِهِ} [مريم: 22] أي: ابتعدتْ عن القوم لما أحسَّتْ بالحمل، وخشيت أعيُنَ الناس وفضولهم فخرجتْ إلى مكان بعيد.
{فَأَجَآءَهَا} [مريم: 23] الفعل جاء فلان. أي: باختياره ورِضَاه، إنما إجاءه فلان أي جاء به رغماً عنه ودون إرادته، فكأن المخاض هو الذي ألجأها إلى جِذْع النخلة وحملها على الذهاب إلى هذا المكان رَغْماً عنها {فَأَجَآءَهَا} [مريم: 23] أي: جاء بها، فكأن هناك قوة خارجة عنها تشدُّها إلى هذا المكان.

الصفحة 9062