لأن كل ما يُعَدّ ينتهي، إنما الشيء الذي لا يُحصَى ولا يَعُدُّ فلا ينتهي، كما في قول الحق سبحانه وتعالى: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34] .
لأن نِعَم الله لا تُحصَى ولا تُعَدُّ ولا تنتهي؛ لذلك سُبِقَتْ بإن التي تفيد الشكِّ، فهي مسألة لا يجرؤ أحد عليها؛ لأن: {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ الله بَاقٍ} [النحل: 96] .
وها نحن نرى علم الإحصاء وما وصل إليه من تقدّم حتى أصبح له جامعات وعلماء متخصصون أدخلوا الإحصاء في كل شيء، لكن لم يفكر أحد منهم أنْ يُحصِي نِعَم الله في كَوْنه، لماذا؟ لأن الإقبال على العَدِّ معناه ظن أنك تستطيع أنْ تنتهي، وهم يعلمون تماماً أنهم مهما عَدُّوا ومهما أَحْصَوا فلن يصِلُّوا إلى نهاية.
إذن: {نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً} [مريم: 84] نُحصي سيئاتهم ونَعدُّ ذنوبهم قبل أن تنتهي أعمارهم، وكلما طالت الأعمار كثرتْ الذنوب، وكل ما ينتهي بالعدد ينتهي بالمُدد.
ثم يقول الحق تبارك وتعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ المتقين}
الحق تبارك وتعالى أعطانا صوراً متعددة ومشاهد مختلفة ليوم القيامة، فأعطانا صورة للمعبود الباطل، وللعابدين للباطل، وما حدث بين الطرفين من جدال ونقاش، وأعطانا صورة لمن تعاونوا على الشر، ولمَنْ تعاونوا على الخير. وهذه صورة أخرى تعرض للمتقين في ناحية، والمجرمين في ناحية، فما هي صورة المتقين؟