كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 15)

لكن هؤلاء يريدون معجزة حِسِّية تصاحب رسالة محمد العامة للزمان وللمكان، ولو كانت معجزَة محمد حِسِّية لكانت لمَنْ شاهدها فقط، والحق سبحانه يريدها معجزة دائمة لأمتداد الزمان والمكان، فَمنْ آمن بمحمد نقول له: هذه هي معجزته الدائمة الباقية إلى أنْ تقومَ الساعة.
لذلك، كان القرآن معجزة لكل القرون، ولو أفنى القرآن معجزته مرة واحدة للمعاصرين له فحسب لاستقبلتْه القرون الآتية بلا إعجاز، لكن شاءتْ إرادة الله أن يكون إعجاز القرآن سراً مطموراً فيه، وكل قرن يكتشف من أسراره على قدر التفاتهم إليه وتأملهم فيه، وهكذا تظل الرسالة محروسة بالمعجزة.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ}
يقول تعالى: أنا قطعت عليهم الحجة؛ لأنني لو أهلكتُهم على فَتْرة من الرسل لقالوا: لماذا لم تُبقِنَا ِإلى أن يأتينا رسول، فلو جاءنا رسول لآمنا به قبل أن نقع في الَذُّلِّ والخِزْي، فمعنى: ولو أنّا أهلكناهم بعذاب من قبل أن يأتي القرآن لقالوا: ربنا لولا أرسلتَ إلينا رسولاً لآمنّا به واهتدينا.
وهذه مجرد كلمة هو قائلها، وكما قال عنهم الحق سبحانه: {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام: 28] إنها مجرد كلمة تنقذهم من الإشكال.

الصفحة 9463