كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 15)

البُؤْس أو الشقاء؟ الإنسان لا ينادي إلا على ما يُفرِح.
فالمعنى: يا ويلتي تعالى، فهذا أوانك، فلن يشفيه من الماضي إلا أنْ يتحسَّر عليه، ويندم على ما كان منه. فالآن يتحسَّرون، الآن يعلمون أنهم يستحقون العذاب ويلومون أنفسهم.
{إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء: 14] ظالمين لأنفسنا بظلمنا لربنا في أننا كفرنا به، كما قال في آية أُخْرى: {أَن تَقُولَ نَفْسٌ ياحسرتا على مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ الله ... } [الزمر: 56] .
قوله تعالى: {فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ ... } [الأنبياء: 15] أي: قولهم: {قَالُواْ ياويلنآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء: 14] فلم يقولوها مرة واحدة سرقة عواطف مثلاً، إنما كانت ديدنهم، وأخذوها تسبيحاً: يا ويلنا إنا كنا ظالمين، يا ويلنا إنا كنا ظالمين، فلا شيءَ يشفي صدورهم إلا هذه الكلمة يُردِّدونها. كما يجلس المرجم يُعزِّي نفسه نادماً يقول: أنا مُخطيء، أنا أستحق السجن، أنا كذا وكذا.
وقوله تعالى: {حتى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ} [الأنبياء: 15] الحصيد: أي المحصود وهو الزرْع بعد جمعه {خَامِدِينَ} [الأنبياء: 15] الخمود من أوصاف النار بعد أنْ كانت مُتأجِّجة مشتعلة ملتهبة صارت خامدة، ثم تصير تراباً وتذهب حرارتها. كأن الحق - سبحانه وتعالى - يشير إلى حرارتهم في عداء الرسول وجَدَلهم وعنادهم معه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وقد خمدتْ هذه النار وصارتْ تراباً.

الصفحة 9495