كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 15)

نقول: الحكمة من هذا أنْ تتم الابتلاءات، والناس لا نتعشق الحق إلا إذا رأتْ بشاعة الباطل، ولا تعرف منزلة العدل إلا حين ترى بشاعة الظلم، وبضدها تتميز الأشياء، كما قال الشاعر:
فَالوجْهُ مِثْلُ الصبُّحْ مُبيضٌ ... وَالشَّعْر مِثْلُ الليْلِ مُسْودُ
ضِدَّان لَمَّا استْجمْعاً حَسْناً ... والضِّدُّ يُظهِرُ حُسْنَه الضِّدُ
إذن: لا نعرف جمال الحق إلا بقُبْح الباطل، ولا حلاوة الإيمان إلا بمرارة الكفر. {وَلَهُ مَن فِي السماوات والأرض ... } .
سبق أن أخبر الحق سبحانه أنه خلق السماء والأرض وما بينهما، وهذا ظَرْف، فما المظروف فيه؟ المظروف فيه هم الخَلْق، وهم أيضاً لله: {وَلَهُ مَن فِي السماوات والأرض ... } [الأنبياء: 19] وإنْ كان من الخَلْق مَنْ ميَّزه الله بالاختيار يؤمن أو يكفر، يطيع أو يعصي، فإنْ كان مختاراً في أمور التكليف فهو مقهورة: {إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السماوات والأرض والجبال فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ... } [الأحزاب: 72] .

الصفحة 9504