كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 15)

فيمكن أن نتبع هذا أو هذا، دون أنْ يقصروا أنفسهم على شيء واحد.
وفي الثانية قالوا: {حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ ... } [المائدة: 104] يعني: يكفينا، ولا نريد زيادة عليه، فَقصَروا أنفسهم على ما وجدوا عليه آباؤهم.
لذلك قال في عَجُز الأولى: {لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً ... } [البقرة: 170] وفي عَجُز الثانية {لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً ... } [المائدة: 104] لأن العاقل هو الذي يهتدي إلى الأمر بذاته.
أمّا الذي يعلم فيعلم ما عَقِله هو، وما عَقِله غيره، إذن: فدائرة العلم أوسع من دائرة العقل؛ لأن العقل يهتدي للشيء بذاته، أمَّا العلم فيأخذ اهتداء الآخرين.
فكان ردُّهم: {قالوا أَجِئْتَنَا ... } .
يعني: أهذا الكلام يا إبراهيم جدٌّ؟ أم أنك تَهْزِر معنا؟ كأنهم يستبعدون أن يكون كلام إبراهيم جِدّاً؛ لأنه بعيد عن مداركهم. {قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السماوات ... } .
يردّ إبراهيم: لقد جئتكم بالحق الذي يقول: إن هذه الأصنام لا تُعبد، بل الذي يستحق العبادة هو الله ربُّ السماوات والأرض: {قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السماوات والأرض الذي فطَرَهُنَّ ... } [الأنبياء: 56] ف (بل) تُضرب عما قبلها، وتُثبِت الحكم لما بعدها

الصفحة 9577