كتاب أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله

والجمهور على تأثيمه إذا خالف دليلاً قطعياً، وعذرِه إذا خالف ظنّيّاً.
ولا خلافَ في تأثيم الكفار؛ لورود النصوص القطعية بذلك، كقوله تعالى: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ} [فصلت23]، وقوله: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف103 - 105].
وما نُقل عن العنبريّ لا يصحُّ؛ لأن كلامه في أهل القبلة.
وأما الجاحظ فليس من أهل الاجتهاد، فلا يُعتدُّ بقوله.
وأما المسائل العملية: فإن كانت قطعية، أي: قام عليها دليل قطعي، فالحق ما قام عليه الدليل؛ إذ لا يمكن مخالفة الدليل القطعي.
وأما العملية الظنية: فإن العقل لا يمنع من تصويب المختلفين فيها. ولذلك اختلفوا فيها أيقال: الجميع مصيبون أم المصيب واحد؟
والثاني أرجحُ، والدليلُ عليه من وجوهٍ:
1 - أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سمّى أحدَ المجتهدَين مصيباً، والآخَرَ مخطئاً، فقال: «إذا حكم الحاكمُ فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجرٌ»، (متفق عليه)، فسمّاه مخطئاً.
2 - أنه لو كان الجميعُ مصيبين مع اختلافِهم، لما كانتْ هناك حاجةٌ إلى المناظرة والاستدلالِ على المخالف؛ لأن الخلافَ يكونُ من باب اختلاف التنوُّع، والإجماعُ على خلاف ذلك.
3 - أنه لو كان الحقُّ يتعدّدُ للزم اجتماعُ الضدّين في بعض صور الاجتهاد، كما إذا طلّق زوجتَه ثلاثاً، وهو ممن يرى الثلاث واحدةً، وهي ممن يرى الثلاثَ

الصفحة 463