كتاب أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله

ثلاثاً، فهل يُقالُ له: لا تُفارقْها، ويُقالُ لها: فارقيه؟! وكيف يكون كلٌّ من القولين حقّاً في هذا الصورة؟!
4 - إجماع الصحابة على إطلاق وصف الخطأ على بعض أنواع الاجتهاد، كما في قول ابن مسعود - رضي الله عنه - في المفوضة: أقول فيها برأيي فإنْ كان صواباً فمن الله، وإنْ كان خطأً فمني ومن الشيطان، وأستغفرُ الله» (أخرجه أحمد والنسائي) ولا يُعرَفُ له مخالفٌ.
وأما عن المقام الثاني: وهو مقام التأثيم، فإن الجماهيرَ متّفقون على أن كلَّ مجتهدٍ من المسلمين مأجورٌ، إما أجراً واحداً، أو أجرين، ولم يُنقلْ خلافٌ في ذلك، إلاّ عن ابن عُليّةَ وبعضِ الظاهرية.
والدليل على أن المخطئَ في مسائل الاجتهاد مأجورٌ: الحديثُ المتقدّمُ: «إذا حكم الحاكمُ فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجرٌ»، (متفق عليه).
وقد حكى غيرُ واحدٍ الإجماعَ على عدم تأثيم المخطئ في مسائل الاجتهاد.
وقد بنى بعضُ العلماء على الخلاف في تصويب المجتهدين اختلافَهم فيمن اجتهد في القبلة فصلى، ثم تبين له أنه صلى إلى غير الجهة الصحيحة، فهل عليه إعادةٌ؟
ذهب بعضُهم إلى إيجاب الإعادة، وبعضهم إلى عدم الإيجاب، وفرّق بعضُهم بين مَن كان داخلَ المصر فيُعيدُ، دون مَن كان خارجه.
ومن المسائل التي تُبنى على تصويب المجتهدين مع اختلافهم: موقف المجتهد إذا تعارضت عنده الأدلّةُ، فالقائلون بالتصويب قالوا: يتخيّرُ أحدَ القولين فيقضي به؛ لأن كلاًّ منهما صوابٌ.

الصفحة 464