كتاب الأساس في السنة وفقهها - العبادات في الإسلام (اسم الجزء: 4)

الروعة والمهابة في حال آخر ما يخلص منه إليه، قال تعالى {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} وقال {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} وقال الرماني: وجوه إعجاز القرآن تظهر من جهات ترك المعارضة مع توفر الدواعي وشدة الحاجة والتحدي للكافة والصرفة والبلاغة والإخبار عن الأمور المستقبلة ونقض العادة وقياسه بكل معجزة. قال: ونقض العادة هو أن العادة كانت جارية بضروب من أنواع الكلام معروفة: منها الشعر، ومنها السجع، ومنها الخطب، ومنها الرسائل، ومنها المنثور الذي يدور بين الناس في الحديث، فأتى القرآن بطريقة مفردة خارجة عن العادة لها منزلة في الحسن تفوق به كل طريقة ويفوق الموزون الذي هو أحسن الكلام. قال: وأما قياسه بكل معجزة فإنه يظهر إعجازه من هذه الجهة إذا كان سبيل فلق البحر وقلب العصا حية وما جرى هذا المجرى في ذلك سبيلاً واحداً في الإعجاز، وإذ خرج عن العادة فصد الخلق عن المعارضة.
قال البارزي في أول كتابه (أنوار التحصيل في أسرار التنزيل) اعلم أن المعنى الواحد قد يخبر عنه بألفاظ بعضها أحسن من بعض، وكذلك كل واحد من جزأي الجملة قد يعبر عنه بأفصح ما يلائم الجزء الآخر، ولابد من استحضار معاني الجمل أو استحضار جميع ما يلائمها من الألفاظ ثم استعمال أنسبها وأفصحها واستحضار هذا متعذر على البشر في أكثر الأحوال وذلك عتيد حاصل في علم الله، فلذلك كان القرآن أحسن الحديث وأفصحه وإن كان مشتملاً على الفصيح والأفصح والمليح والأملح، ولذلك أمثلة منها قوله تعالى {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} لو قال مكانه وثمر الجنتين قريب لم يقم مقامه من جهة الجناس، بين الجني والجنتين ومن جهة أن الثمر لا يشعر بمصيره إلى حال يجني فيها، ومن جهة مؤاخاة الفواصل. ومنها قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ} أحسن من التعبير بتقرأ لثقله بالهمزة ومنها {لَا رَيْبَ فِيهِ} أحسن من لاشك فيه لثقل الإدغام، ولهذا كثر ذكر الريب ومنها {وَلَا تَهِنُوا} أحسن من ولا تضعفوا لخفته و {وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} أحسن من ضعف، لأن الفتحة أخف من الضمة، ومنها {وَآمَنَ} أخف من صدق، ولذا كان ذكره أكثر من ذكر التصديق و {آثَرَكَ اللَّهُ} أخف من فضلك، و {أَتَى} أخف من أعطى، و {وَأَنْذِرْ} أخف من خوف، و {خَيْرٌ لَكُمْ} أخف من أفضل لكم، والمصدر في نحو {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} أخف من مخلوق، والغائب و {نَكَحَ} أخف من

الصفحة 1579