كتاب الأساس في السنة وفقهها - العبادات في الإسلام (اسم الجزء: 4)

تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} حتى حجَّ عمرُ، وحججتُ معه، فلما كان ببعض الطريق عدل عمر، وعدلتُ معه بالإداوة، فتبرز ثم أتاني، فسكبتُ على يديه، فتوضأ، فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله عز وجل {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}؟ فقال عمر: واعجبا لك يا ابن العباس! قال الزهري: كره والله ما سأله عنه ولم يكتمه، فقال: هما عائشة وحفصة، ثم أخذ يسوق الحديث- قال: كنا معشر قريش قوماً نغلبُ النساء، فلما قدمنا المدينة، وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، قال: كان منزلي في بني أُمية بن زيد بالعوالي، فتغضبتُ يوماً على امرأتي، فإذا هي تُراجعني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ما تنكرُ أن أراجعك، فوالله، إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليُراجعنه، وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل، فانطلقتُ، فدخلتُ على حفصة، فقلت: أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: نعم، فقلت: أتهجره إحداكن اليوم إلى الليل؟ قالت: نعم، قلت: قد خاب من فعل ذلك منكن وخسرت، أفتأمن إحداكن أن يغضب الهل عليها لغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فإذا هي هلكتْ، لا تراجعي رسول الله، ولا تسأليه شيئاً، وسليني ما بدا لك، ولا يغُرنك أن كانت اجرتُك هي أوسم وأحبُّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك - يريد عائشة - وكان لي جارٌ من الأنصار، فكنا نتناوب النزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فينزل يوماً، وأنزل يوماً، فيأتيني بخبر الوحي وغيره، وآتيه بمثل ذلك، وكنا نتحدث: أن غسان تُنْعِلُ الخيل لتغزونا، فنزل صاحبي، ثم أتاني عشاء، فضرب بابي، ثم ناداني، فخرج إليه، فقال: حدث أمر عظيم، فقلت: ماذا؟ جاءت غسان؟ قال: لا، بل أعظم من ذلك وأهول، طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، قلت: وقد خابت حفصة وخسرت، وقد كنت أظن هذا يوشك أن يكون، حتى إذا صليت الصبح شددت عليَّ ثيابي، ثم نزلت، فدخلت على حفصة وهي تبكي، فقلت: أطلقكُنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ (1) قالت
__________
= (العوالي) جمع عالية، وهي أماكن بأعلى أراضي المدينة.
(صغت) قلوبكما: مالت.
(جارتك) الجارة هاهنا: الضرةُ، أراد بها عائشة رضي الله عنها.
(أوسم منك): أكثر منك حسناً وجمالاً، والوسامة: الحسن والجمال.
(أوضأ منك) أكثر منك وضاءة، والوضاءة: الحسن والنظافة، ومنه الوضوء
(نتناوب) التناوب: هو أن تفعل الشيء دفعة، ويفعله الآخر دفعة أخرى، مرة بعد مرة. ... =

الصفحة 2001