كتاب الأساس في السنة وفقهها - العبادات في الإسلام (اسم الجزء: 7)

أحبَّ العمل إلى الله أدومُهُ، وإن قل، ثم ترك مصلاه ذلك، فما عاد له حتى قبضهُ الله عز وجل، وكان إذا عمل عملاً أثبته" (1).
__________
= فجعل إهلاكه إياهم لعباً.
وقيل معناه: إن الله لا يقطعُ عنكم فضلهُ، حتى تملوا سؤاله، فسمى فعل الله مللاً، وليس بملل، على جهة الازدواج، كقوله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه) وقوله: (وجزاء سيئة سيئةٌ مثلها) وهذا شائع في العربية، وكثيرٌ في القرآن.
قال الحافظ في [فتح الباري 1/ 94] هو بفتح الميم في الموضعين، والملال: استثقال الشيء، ونفور النفس عنه بعد محبته، وهو محال على الله تعالى باتفاق وقال الإسماعيلي، وجماعة من المحققين: إنما أطلق هذا على جهة المقابلة اللفظية مجازاً، كماق ال تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) [الشورى: 40] ونظائرها، قال القرطبي: وجه مجازه: أنه تعالى لما كان يقطع ثوابه عمن قطع العمل مللاً، عبر عن ذلك بالملال، من باب تسمية الشيء باسم سببه.
وقال الهروي: معناه: لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله، فتزهدوا في الرغبة إليه، وقال غيره معناه: لا يتناهى حقه عليكم في الطاعة حتى يتناهى جهدكم.
وهذا كله بناء على أن "حتى" على بابها في انتهاء وما يترتب عليها من المفهوم.
وجنح بعضهم إلى تأويلها، فقيل: معناه: لا يمل الله إذا مللتم، وهو مستعمل في كلام العرب، يقولون: لا أفعل كذا حتى يبيض القار، وحتى يشيب الغراب، ومن قولهم في البليغ: لا ينقطع حتى ينقطع خصومه، لأنه لو انقطع حين ينقطعون لم يكن له عليهم مزية، وهذا المثال أشبه من الذي قبله، لأن شيب الغراب ليس ممكناً عادة، بخلاف الملل من العابد.
وقال المازري: قيل: إن "حتى" بمعنى "حين" والأول أليق، وأجرى على القواعد، وأنه من باب المقابلة اللفظية.
ويؤيده: ما وقع في بعض طرق حديث عائشة رضي الله عنها بلفظ "اكلفوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل" لكن في إسناده موسى بن عبيدة، وهو ضعيف. وقال ابن حبان في "صحيحه": هذا من ألفاظ التعارف، التي لا يتهيأ للمخاطب أن يعرف القصد مما يخاطب به إلا بها، وهذا رأيه في جميع المتشابه.
(سددوا) اقصدوا السداد من الأمر، وهو الصواب.
(وقاربوا) اطلبوا القاربة، ويه القصد في الأمر الذي لا غلو فيه ولا تقصير.
(يتغمدني) تغمده الله برحمته: إذا غفر له ورحمهُ، وأصله: كأنه جعل رحمته له غمداً ستره بها وغشاه.
(اكلفُوا) كلفتُ بهذا الأمر، أكلفُ به: إذا ألعت به، وكلفه تكليفاً: إذا أمره بما شق عليه، والمتكلفُ: المتعرضُ لما لا يعنيه، وتكلفتُ الشيء: تجشمته.
(ديمة) الديمةُ: المطر الدائم في سكون، شبهتْ عمله في دوامه مع الاقتصاد بديمة المطر.

الصفحة 3445