كتاب الأساس في السنة وفقهها - العبادات في الإسلام (اسم الجزء: 1)

ولذلك نقول ابتداءً: إنه لا قيمة للذوق ولا للرأي العام إذا عارض الفرائض والواجبات والسنن والآداب، أو دخل في دائرة المكروهات أو المحرمات، وإذن فمراعاة الرأي العام وقضايا الأذواق إنما راعاها الشارع في المباحات ولذلك نجد في القرآن الكريم قوله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} (1).
8 - * روى مسلم قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة: "لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لهدمت البيت وبنيته على قواعد إبراهيم".
فالأول جاء في سياق مواقف المسلمين من اليهود، والثاني في مراعاة الرأي العام الجاهلي في قضية لا يترتب عليها عمل ..
ولننتقل إلى قضية أخرى وهي قضية الأيحيات والمروءات:
9 - * روى مالك في الموطأ عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما بُعِثْت لأتمم مكارم الأخلاق" فالرسول صلى الله عليه وسلم حصر بعثته بأن المراد منها استكمال بناء الصرح الأخلاقي في هذا العالم، وهذا يفيد انه عليه الصلاة والسلام لم يبدأ البناء الأخلاقي من الصفر، بل هناك أخلاق بعث بها الرسل وأتمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك مكارم للأخلاق تعارف عليها الناس أنها من مكارم الأخلاق وهي فعلاً كذلك. وجاء الرسول صلى الله عليه وسلم ليقر أمثال هذه الأخلاق وليكملها، ولم تزل الأريحيات والمروءات مما تواطأ الناس على إكبارها واحترامها، إلا من فسدت فطرته ومرض عقله.
وقضايا الأريحيات والمروءات لا تدخل تحت حصر، وقد تتجاوز حدها فتصبح جاهلية، وقد تنقص حتى يحتقر المخل، إن بعض ما يدخل في المروءات والأريحيات يدخل في أبواب الحكم الشرعي من فريضة أو واجب أو سنة أو أدب وإذا تجاوزت الأريحيات حدها كأن دخل صاحبها بها في الإسراف والتبذير أو طرأ عليها عارض كالرياء والعجب
__________
(1) البقرة: 150.
8 - مسلم (2/ 969) 15 - كتاب الحج، 69 - باب نقض الكعبة وبنائها.
9 - الموطأ (2/ 904) 47 - كتاب حسن الخلق، 1 - باب ما جاء في حسن الخلق.
قال ابن عبد البر: وهو حديث مدني صحيح متصل عن أبي هريرة وغيره.

الصفحة 51